دموع!!!!!!!!!
"اسرعت نحو والدها خارجة من باب مدرستها والقت نفسها في احضانه بلهفة وشوق
حمدت الله على وصوله اليها سالما
ولم تكد تستقر بين ذراعيه حتى شق الهواء صوت اعيرة نارية
انكمشت بين ذراعي والدها وهي تختلس النظر خلفه
رأت جنود الاحتلال يعبرون بدباباتهم
كم تكرهم!
كم تتمنى فنائهم!
كان من الواضح انهم يبحثون عن المشاكل فقد نزلوا من دباباتهم واخذوا يحدقون في وجوه الاهالي الذين تبدوا في ملامحهم اشد واعتى علامات الكره
ثم فجأة اختطف احدهم طفل من احضان والدته والدموع تفر من مقلتيه وهو يهتف باسمها
شعرت بجسد والدها يرتجف غضبا وتراخت ذراعاه عنها استعدادا للانقضاض على ذلك الوغد
تشبثت به تحاول منعه
ولكنه ابتسم في وجهها وطمأنها بانه لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا
وطلب منها الصبر والجلد والصمود
وان هذا من واجبه
وطبع قبلة على جبينها
ثم وفجأة وبدون اي انذار
انقض على ذلك الجندي الذي اختطف الطفل من احضان امه
فلكمه لكمة كسرت عنقه واردته قتيلا
عاد الصغير الى احضان والدته بينما تعلقت عيون الجميع بنظرات التحدي في عيني الاب ونظرات الكره والسخرية في عيون الجنود
ثم انقضوا عليه بشراسة الضباع
لكم احدهم وركل الاخر وكسر عنق الثالث
ولكن
كما يقول المثل
الكثرة تغلب الشجاعة
فقد اسقطوه ارضا وانهالوا عليه ضربا
وصوب احدهم اليه بندقيته
حينها صرخت ابنته تحذره
واخذت تجري بتجاهه حين شعرت بيد قوية تجذبها بعيدا
لقد كان استاذها في المدرسة
جذبها بعيدا وهو يحاول تهدئتها
بينما هي تصرخ وتبكي وتحاول التملص من يديه وعيناها تراقبان اصبع الجندي على زناد بندقيته
وحان اللحظة التي اكتمل فيها ضغط الجندي على الزناد
وانطلق الرصاص يشق الفضاء
وضمها استاذها بشدة الى صدره ليمنعها من رؤية والدها وهو يلقى مصرعه
فرت الدموع من عينيها كسيول غزيرة وهي تدفن وجهها في صدره
ثم سمعت ضحكات الجنود
نظرت اليهم ووقعت عيناها على والدها المغطى بدمائه الطاهرة والابتسامة تعلو شفتيه
اخيرا تمكنت من الافلات من بين ذراعيه
وانطلقت نحو والدها وهي تكاد لا ترى من دموعها
هزته بقوة وهتفت باسمه كثيرا ولكن بلا اجابة
كانت تلك هي المرة الاولى التي تناديه فلا يجيبها
بدأ الجنود بالعودة لدبابتهم والفرح يكسو وجوههم
نظرت بغضب اليهم وهي تستمع لضحكاتهم
ووقعت عيناها على بندقية الجندي القتيل فامسكت بها
وفجأة دوى الرصاص وارتفعت اهات الجنود وارتجت المدينة كلها بغضب هذه الطفلة البريئة التي كانت اقصى امالها ان تعيش في راحة وامان مع والدها
لقد حولتها الى مذبحة تناثرت فيها اشلاء جنود المحتل
لم يكن ثأرا لوالدها فقط
بل ثأرا لكل قطرة دم طاهرة اريقت
لكل طفل حرم من حنان والديه
لكل شاب حرم من احلى سنين عمره
لدينها ووطنها واصدقائها واهلها
وكما اطلقت نيران بندقيتها اطلق الجنود نيران بنادقهم
وانفجرت الدماء من اماكن شتى من جسدها
ولكنها لم تشعر
لقد اخذ هؤلاء المحتلون منها والدها ووالدتها واخوتاه واحلى سنين عمرها ووطنها
واخيرا اردت اخرهم قتيلا
واطلقت باقي الرصاصات على العلم المثبت فوق الدبابة فسقط مشتعلا
حينها فقط
شعرت بالنيران المستعرة داخلها تخمد
واتجهت الى والدها وسقطت بجواره شهيدة
لقد ابى الدهر الا ان تختلط دماؤهما الطاهرة في ذلك اليوم
وارتجت السماء حين صعدت اليها روح كانت في يوم من الايام لطفلة بريئة حرمت حنان والديها وسنين عمرها
وامطرت السماء تغسل جسديهما وتمحو منهما كل الذنوب
كانت طفلة بريئة
ومازالت في قلوبنا ومهما مر الزمن طفلة بريئة"