ليَ الآنَ
سـَبَبٌ آخر يمنعني من خيانة ِ وطني :
لحافُ ترابِه ِ السـميك
الذي تـَـدَثـَّرَتْ به أمي
في قبرها أمس !
وحدُهُ فأسُ الموتِ
يقتلعُ الأشجارَ من جذورها
بضربة ٍ واحدة
قبل فراقها
كنتُ حيّا ًً محكوما ً بالموت ِ ..
بعد فراقها
صرتُ مَـيْتا ً محكوما ً بالحياة
لماذا رحلت ِ
قبل أنْ تلديني يا أمي ؟
أما من سلالمَ أخرى غير الموت ِ
للصعود نحو الملكوت ؟
في أسواق " أديلايد "
وَجَـدَ أصدقائي الطيبون
كل مستلزمات مجلس العزاء :
قماش أسود .. آيات قرآنية للجدران ..
قهوة عربية .. دِلالٌ وفناجين ..
بخورٌ ومِـسْـك ٌ ..
باستثناء شيء ٍ واحد ٍ :
كوبٌ من الدمع ـ حتى ولو بالإيجار
أعيد به الرطوبة َ
إلى طين عينيَّ الموشكتين على َ الجَـفاف !
لم تحملْ نعـشـَها عربة ُ مدفع
ولم يُعزف لها مارش ٌ جنائزي ..
أمي القروية لا تـُحِبُّ سماعَ دويِّ المدافع ِ
ليس لأنه يُفزِع ُ العصافير َ فحسب ..
إنما
ولأنه ُ يـُذكـِّرُها بـ " خطابات القادة " ..
الذين أضاعوا الوطن .. وشـَرَّدوني ..
نعشـُها حَـمَلـَتـْهُ سيارة ُ أجرة ٍ
وشـَّيعَتـْها عيونُ الفقراء ِ
والعصافيرُ
والكثيرُ من اليتامى
يتقدمهم شقيقي بطرفهِ الإصطناعية
وشقيقتان أرملتان
كيفَ أغفو ؟
سَــوادُ الليل ِ يُـذكـِّرُني بعباءتها ..
وبياض النهار ِ يـُذكـِّرني بالكفن ..
يا للحياة من تابوت ٍ مفتوح !
أحيانا ً
أعتقدُ أنَّ الحَـيَّ ميتٌ يتنفـَّسُ..
والمـَيْتَ حيٌّ لا يتنفـَّس..
الأحياءُ ينامون فوق الأرض..
الموتى تحتها ..
الفرقُ بينهم : مكانُ الســرير ِ
ونوع الوسائد والأغطية !
آخرُ أمانيها :
أنْ أكونَ مَـنْ يـُغمضُ أجفان قبرِها ..
آخرُ أمنياتي
أن تُغمِضَ أجفاني بيديها ..
كلانا فشلَ في تحقيق أمنية ٍ متواضعة
أيها العابرُ : لحظة ً من فضلك ..
هلا التـَقـَطـْتَ لي صورة تذكارية ً مع الهواء ؟
وثانية ً مع نفسي ؟
وثالثة ً جماعية ً
مع الحزن والوحشة ِ
وأمي النائمة في قلبي ؟
منقول