كراكيب الايام

موضوع: كراكيب الايام الإثنين يناير 18, 2010 3:03 pm

كراكيب الأيام

قالت : أراك منتشيا هذه الأيام ، ماذا جرى لك كراكيب الايام Estefham

قلت : شيء بسيط جدا حدث .. تخلصت من ( كراكيب) أيامي
قالت : ماذا تعني بكراكيب الأيام كراكيب الايام Estefham

قلت : بعض الناس عندهم هواية قديمة هي جمع الأنتيكات والتحف
إنهم يجعلون منها نوعا من الاستثمار .. فبدلا من أن يضع صاحب المال
أمواله في شكل أرصده وأسهم وسندات وعمارات وأراض فإنه يشتري
بعض التحف والأنتيكات القديمة ، وبذلك يضمن أن تبقى أمواله أمام عينيه يستطيع أن يبيعها في أي وقت .. ولا يدفع عليها ضرائب وتزداد
قيمتها مع الأيام .. ولأنني لا أملك أموالا استثمرها فقد استثمرت أيام
عمري في شراء بعض الأنتيكات .. وجمعتها قطعة قطعة .. وكنت أشعر
أنني جمعت ثروة العالم كله .. وكنت أطوف حولها فأجد ذكريات عمري
يوما يوما .. وأشاهد أحلام حياتي حلما حلما .. أناس عرفتهم .. وجمعتني
بهم ذكريات .. أحببت بعضهم وحملت لهم مشاعر عميقة .. ورحل من رحل .. وجاء من جاء .. وسافر من سافر .. وبقيت الأنتيكات تزين متحف
أيامي .. وكنت سعيدا بها أراقبها كل يوم من بعيد .. وأرى فيها عمري
وحصاد أيامي ..
قالت : وماذا حدث لمتحف أيامك كراكيب الايام Estefham

قلت : ذات يوم قابلني صديق يفهم أكثر مني في طبائع الناس وأخلاق
البشر والعلاقات الإنسانية .. إنه سمسار إنساني جيد .. أو بمعنى آخر
مثمن قديم في المزادات الإنسانية .. مارس البيع والشراء في أسواق
البشر .. يدرك قيمة الناس وأسعارهم ..
وأخذته يوما معي وذهبت الى متحف أيامي وقلت له : عندي مجموعة
أشياء ثمينة للغاية .. أريدك أن تحدد أسعارها قطعة قطعة
وبدأت أعرضها عليه .. هذه قطعة أخذت خمس سنوات من عمري
وهذا التمثال اشتريته بأجمل أيام شبابي .. وهذه اللوحة دفعت فيها
الأشواق والألم .. وهذا التابوت رسمت أجزاءه جزءا جزءا وطرزته
بمشاعر قلب محب .. فكم بربك تساوي هذه الأشياء كراكيب الايام Estefham

وضحك صديقي الخبير المثمن في سوق البشر وهو يمسك التحف
وقال : لا تعرضها في المزاد .. لأنها جميعا مزيفة .. باعوك يا صديقي
بضاعة مزورة .. فهذا التمثال من أردأ أنواع الخشب .. وهذه اللوحة
قناع جميل لوجه مستعار مزيف .. وهذه الصورة لامرأة لا تعرف الصدق
وهذا الوجه شبح ممسوخ .. وهذا التابوت ما زالت تنبعث منه رائحة العفن .. وهذه الأنتيكات الخشبية التي تتحلى بها جدران أيامك كانت
كلها قصصا من الزيف والخداع والنفاق والتحايل
لا يوجد في متحفك شيء يستحق أن تحتفظ به .. لقد ملأت المتحف
بأشياء كثيرة جدا وكان ينبغي أن تسأل عن قيمتها قبل أن تدفع
ساعة واحدة من أيامك .. إنها لا تساوي لحظة فكيف دفعت فيها
سنوات العمر الجميل .. كراكيب الايام Estefham

أنت إنسان لم يعرف لغة المزادات .. ولم تحسب أسعار الأشياء
وقيمة الناس ، ولهذا خدعوك يا صديقي
قلت : وكم تساوي هذه التحف كراكيب الايام Estefham

قال : يا صديقي إنها ليست تحفا ، إنها مجموعة كراكيب .. انظر
إلى أشلائها المفككة .. وألوانها الباهتة .. لا شيء فيها يستحق
أن تبقي عليها ..
ومضى صديقي ، ووقفت وحيدا أتأمل كراكيب أيامي ..من أحببت
ومن صادقت .. ومن أعطيت .. وسألت نفسي : ماذا بقي من هؤلاء
جميعا .. أين هم الآن كراكيب الايام Estefham

.. وأين أنا كراكيب الايام Estefham

.. وأين الزمان الذي جمعنا
وفرقنا .. وشردنا كراكيب الايام Estefham

وأغمضت عيني وأنا أحمل كراكيب أيامي وألقي بها من نافذة المتحف
العتيق الذي بنيته في خيالي عبر سنوات العمر ..
لم أندم لأنني أبقيت عليها كل هذا العمر ، ولكنني شعرت بأنني سوف
أندم إذا أبقيت عليها بعد الآن وقد أدركت قيمتها الحقيقية
لأنها لا تتجاوز قيمة الأشياء المزيفة التي تعبر علينا كل يوم
أحيانا يجب أن نراجع أنفسنا ونلقي بكراكيب أيامنا قبل أن تتكدس
حولنا فلا نرى شيئا غيرها
شيء واحد انتزعته من بين هذه الكراكيب وضممته إلى صدري
لأنني لا استطيع أن أعيش بعيدا عنه ..
إنه شعري ....

وبقى الشعر....

قالت: ماذا بقى من (( كراكيب ايامك )) ؟
قلت : شىء واحد انتزعته من وسط هذا الركام ... ثم اودعته خزانه ضخمة واغلقت ابوابها ...واخفيت مفاتيحها عن كل العيون....فاذا كانت اطلال الايام لم تعد تساوى شيئا , فمازال عندى شىء واحد اعتز به ...انه شعرى ...فاذا كنت قد خسرت فى رحلة العمر ناسا .... فقد كسبت فنا
ولا يعنينى بعد ذلك من اخلص ومن خان ...ومن اشترى ومن باع ... ومن اعطى ومن بخل ... المهم ان هناك شىء بقى لى من هذه الرحلة ... واذا كان اصدقاء الرحلة قد باعوا الايام والعمر والذكريات .
فيكفينى انى اشتريت وهم باعوا ....واعطيت وهم بخلوا .... و وفيت وهم خانوا....
انا لا استطيع ان انسى عمرى لان شعرى يشبه الناقوس الذى يدق دائما على راسى يذكرنى .
وكلما اغمضت عينى و حاولت النسيان ثار امامى شيئا ملا الكون ضجيجا وصراخا واحتجاجا ...انه كلماتى ... تلك التى نزفتها قطرة قطرة ....واعطيتها العمر يوما يوما ....انه نزيف ايامى .
قالت : وهل ندمت على ذلك ؟
قلت : اذا كنت قد ندمت على العمر الضائع والاشياء التى تخيلت ان لها ثمنا ثم عرضتها فى المزاد واكتشتفت انها لا تساوى شيئا .... رغم هذا كله فانا ارى ان شعرى لا تساويه اموال الدنيا ....لانه سنوات عمرى بكل ما فيها من انتصارات وهزائم ..
ان زماننا لم يؤمن بقيمة الاشياء ....من الصعب ان نجد فيه قيمة اصيلة ...احساسا صادقا ... موقفا نبيلا ....انه زمن الزيف فى كل شىء ابتداء بالمشاعر وانتهاء بالعملات المزيفة ....ولهذا كان من الصعب ان اجد اشياء كثيرة حلمت بها ....
ولقد حاولت ان اصنع الاحلام فى خيالى حتى ولو كانت الحقيقة مرة والواقع قبيحا ...لقد جاء صديقى الذى يفهم فى مزادات العلاقات الانسانية وشاهد كل التحف التى احتفظت بها كل هذا العمر واتضح لنا انها مجموعة كراكيب قديمة ... ولولا صديقى لاحتفظت بها حتى نهاية العمر ....
قالت : وهل يعوضك الشعر عن العمر ؟
قلت : لا فرق عندى بين الشعر والعمر فهما عندى شىء واحد ... فالحياة عندى هى الكلمة ولا شىء غيرها ... وماذا يساوى عمرى بدون شعرى ... انا لا اصلح ان اكون تاجرا ... او مقاولا ... او رجل اعمال ....او طبيبا او مهندسا....
قالت : وبم تنصح الاخرين ....
قلت : ان يحاول كل انسان ان يقيم ما يملك من اشياء ...
ان يقيم العمر ... حتى يحتفظ باجمل ما فيه ....
ان يقيم امكانياته وقدراته حتى يستثمر افضل ما فيها ....
ان يكون قادرا على ان يعطى حتى ولو بخل عليه الاخرون .... والا يندم على شىء قدمه ....فيكفيه انه اعطى .... وان الاخرين بخلوا ....وانه اخلص وانهم خانوا ....
يكفيه ان يشعر انه يتلف عن الناس فى صفاتهم وسلوكياتهم وحياتهم .... ان هذا الاحساس كفيل بان يجعل الانسان يشعر
بالرضا .... ولا يتسرب الندم اليه ابدا .....
اننا نندم عادة على اخطائنا . فمن قال ان العطاء طيئة ... والاخلاص معصية ؟
ورغم هذا يجب ان يكون الانسان واعيا للارض التى يبذر فيها بذوره حتى لا تاكل طبقات الملح جذور اشجاره فى غفلة منه .... يجب ان يضع الاشياء فى اماكنها والمشاعر عند من يستحقها
ويجب عليه من وقت لاخر ان يقوم بعملية تظهير واسعة حتى يظل البيت نظيفا .... فيلقى من نوافذه كل الاشياء التى لا تستحق ان تبقى .... ان زحام الاماكن يصيبنا بالدوار .... و زحام الطعام ويصيبنا بالتخمة .... وزحام الذكريات كثيرا ما يفقدنا القدرة على ان نرى الحياة حولنا .

قصايد للشاعر فاروق جويدة
عجبتنى جدااا لدرجة ان دخلت المنتدى مخصوص عشان انزلها

فيكفينى انى اشتريت وهم باعوا ....واعطيت وهم بخلوا .... و وفيت وهم خانوا....
تحفه ياسميه
الف شكرا على النقل الجميل دا

» اذا كسرتك الايام